11:16 AM | Author: Al-Firjany


على ما يبدو إن الجمهور المصري صار ينازع اللاعبين والمدربين في استقطاب وجذب الكاميرا. الطبيعي بعد المباراة أن تستمع للتحليل عن اللقاء، ولكن الظاهر إن الاخراج التليفيزيوني بنقله لمباريات الجماهير خارج الخطوط سيحول الاهتمام والعادة التحليلية باتجاههم مع ترك المباراة نفسها واللاعبين يصطفوا براحتهم. بعد مباريات اللاعبين ومباريات الناديين، ومباريات المدربين، ربما صار علينا متابعة وتحليل مباريات الجماهير، خصوصا مع ظهور وتطور روابط التشجيع في مصر.
==

تقريبا كل مباراة للأهلي تجلب معها بعض المشاكل، ومضطر أنحي ألتراس جانبا، لأن المشاكل أصلا كانت موجودة قبل وجودها، وظهور الرابطة في القاهرة أو الاسكندرية جلب المشكلات على السطح فقط، بعد أن كانت تحت الرماد. تكرار المشاكل الجماهيرية فيما بعد مباراة الأهلي وفرق الأقاليم الساحلية (في الاسماعيلية أو اسكندرية) وما صاحبها من مشكلات جماهيرية ينم في بعض أحيانه عن جهل ببعض قواعد التشجيع المستوردة إلى المدرجات المصرية من غير جمرك، ويوازيه كلام معاد ومكرر عن النادي الأهلي وأسلوب عمله أو طريقة عمل النادي الأحمر في الربوع المصرية. وفي المباراتين يثور السؤال: "لماذا يكرهون الأهلي؟" ومع إن السؤال قديم ومن كام سنة طالع نازل مع كل مباراة للأهلي في بعض الملاعب الساحلية، لكن تبقى الاجابة محلك سر، أو حتى تضيع وسط الشتائم والسباب من ده على ده.

ه* في البداية موضوع ظهور الشماريخ في مدرجات الاسماعيلية أو الاسكندرية وتعرض جمهور الأهلي للانتقاد لاستخدامها في المدرجات، هو أول علامات السذاجة. الألعاب النارية معروفة أساسا في مصر وتظهر في بعض الاحتفالات بمباريات المنتخب الكبرى (مباراة الجزائر تصفيات كأس العالم 90 أو نهائي كأس الأمم) ومباريات أخرى مهمة. موضوع ظهور الشماريخ أساسا منتقل من دول الشمال الأفريقي، ودخلت الملاعب المصرية في بعض الاندية، ولكن لم يحالف الأندية غير الأهلاوية التوفيق في مبارياتها أو بطولاتها الخارجية من أجل اشعال الشماريخ. أذكر على أحد المنتديات وجود تراشق لفظي بين مشجع أهلاوي وآخر اسماعلاوي حول الشماريخ، وكل واحد يدعي أنه أول من أشعلها في مصر! يعني كل جمهور ولع، بس مين ولع الأول؟! الخناقة على قدر سذاجتها، إلا أنها تعطي الضوء على أن ظاهرة وجود الشماريخ أساسا موجودة، وإن كان الامن يمنعها عادة في المدرجات لتأثيرها على الأرضية أو التراك. وأذكر إني قريت إنها اتمنعت مؤخرا في المغرب وصارت هناك عقوبة كبيرة على حاملها في المدرجات، وهو ما أرشخ تكراره في مصر، مع كثرة تعامل جمهور الأهلي معها واستخدامها. وده ينقلني للنقطة الثانية الخاصة بتعامل الأمن مع الجماهير، وحكاية كره النادي الأهلي.

بعد مباريات الأهلي آخر موسمين في استادات اسكندرية وبورسعيد كانت لي بعض المساجلات مع بعض المشجعين من أصدقائي (وبعضهم أعدائي:-)) ومعاها تقارير ليست للنشر عن حال المدرجات وكواليس المباريات. علشان ما أطولش عليكم كانت السمات المشتركة كتيرة على الرغم من طول المسافة وبعدها ما بين اسكندرية وبورسعيد. أول عوامل كره جمهور الأهلي ممكن يظهر في عاملين: تشجيع بعض أبناء المدينة للنادي، وتعامل الأمن معاهم في مباراة الأهلي تحديدا (ولم تتح لي معرفة إن كان الأمر يتكرر في باقي المباريات). ه

في البداية خلينا متفقين على تخلف الأمن في التعامل مع جماهير مصر بصفة عامة—عامة جدا. ظهور الشماريخ في مدرجات الأهلي واختفاءها في مدرجات الخصم كان يشد من سخط جماهير السواحل على جمهور الأهلي لنجاحها في الدخول بالشماريخ، فيما بقيت الجماهير الاخرى محلها سر. كانت المرارة علقمية من رسائل الاتحاداوي أو البورسعيدي عن التعامل الامني مع جمهور الاثنين، مع بعض المبالغات في تصوير التسهيلات والاوكازيون لدخول جمهور النادي الأهلي. وفي الغالب التصوير شبه السهل الممتنع، وتعامل قاسي وصارم معاهم في بلدهم (كانت لغتهم قاسية جدا في النقطة دي تحديدا ولعناتهم بالكيلو على الأمن في المدرجات)، وأذكر إن واحد بورسعيدي قال لي إنه المخبرين وساعات الضباط بيكونوا "مترشقين" داخل المدرجات منعا لحدوث أي شتيمة ضد الأهلي (!) أو أي خروج من أي نوع غالبا (الكلام هنا عن الموسمين الماضيين)، في حين كانت الاحتكاكات وقتها محدودة في المدرجات. سيان التقارير الجماهيرية صحيحة أم لا .. ولكن دي نقدر نحطها في إطار "صناعة الكره" أو نفسية جماهير الاقاليم تجاه نادي العاصمة؛ خصوصا مع تكرار ذهاب وعودة النادي الأهلي من تلك الملاعب فائزا، وهو ما كان يزيد من شدة وحدة الغضب. ظهور الشماريخ ممكن تعتبره الجماهير تساهل أمني "معتاد" مع جمهور الأهلي في الدخول للاستاد، بينما أصحاب البلد مش قادرين، ونقطة أصحاب البلد تنقلنا لنقطة توزيع التشجيع داخل المدينة الساحلية.

الجانب الثاني من نقطة الكره اللي أحب أتكلم عليها هي وجود جمهور للأهلي في تلك المناطق. الموضوع ده غير مرتبط بمباراة الاهلي ولكنه يتجمع طول السنة ويظهر في مباراة الأهلي. وجود مشجعين للأهلي في الأقاليم زي ما له عوامل إيجابية جدا، ظاهرة ولا تحتاج إلى كلام، ولكنه يحمل بعض أسباب كره المشجعين من نفس المدينة للنادي الأهلي. أغلب الكلام المنقول من المشجعين البورسعيدية أو الاتحاداوية بخصوص تشجيع أبناء بلدهم للأهلي يدور حول نقطة واحدة "الانتماء للبلد" وعدم تشجيع نادي في نظرهم خارجي، وبعضهم يعتبرها خيانة للبلد أو ما شابه، ولا داعي للحديث عن حالة الاسماعيلية. المعروف إن فرق الاتحاد والمصري تحديدا تعاني من الهبوط في أغلب المواسم "ومهما الارض تتزلزل". من حظ الأهلي وجوده في بعض المباريات الحاسمة مع الناديين للنجاة من الهبوط، أو للحصول على نقاط مساعدة ولو حتى نقطة. بنظرة عامة على مدرجات جمهور الأهلي في مدرجات اسكندرية أو بورسعيد تجده مكون من أبناء القاهرة وأبناء المحافظتين من الاهلي. يعني الخيانة تبقى الدوبل والسخط يزيد، ويصبح أشد في حالة فوز الأهلي بالمباراة. مرارة الهزيمة تتوازى معها مرارة رؤية البورسعيدي يشجع القاهري ضد الفريق البورسعيدي في أحلك لحظاته ومخاطر الهبوط على كف عفريت. وقس على ذلك محافظات أخرى. هنا يحدث الانتقال من الكره من كره تشجيع نادي، إلى كره النادي ذات نفسه. وممكن نحط في الاطار ده الردود الجماهيرية، من رفع أحد أبناء بورسعيد الأهلاوية (أو المهاجرين) لافتة "بورسعيد بتحبك يا أهلي"، فيرد بورسعيدي أصيل: لأ، "بورسعيد مش بتحبك يا أهلي". (التركيز على الثانية وترك الأولى محتاج له قعدة بعد مدة). ما بين الاتنين تتأرجح حالة الحب و"عدم الحب" للنادي، ومعها ممكن نرصد حالة رفع اعلام تونس بفطرية من جانب جماهير الأقاليم.

قبل مباراة الاتحاد والأهلي كان فيه حملة على بعض مواقع الاتحاد انتقلت إلى منتديات كورة من جذب للاسكندرانية غير الاتحاداوية .. لتشجيع الاتحاد. فرأينا "ازاي تكون اسكندراني وما تشجعش الاتحاد"، "أين الانتماء لبلدك؟"، إلخ. الصورة في حد ذاتها ليست غريبة علي، لأن اللي يعرف بعض الاسكندرانية يقدر يضعها في اطارها الصحيح.


حالات الفوز المتكرر للأهلي على الأندية دي تحديدا يكمن معها سبب آخر لوجود الكره، إن سلمنا بوجوده بصورة جماعية. من ضمن عوامل إثارة كرة القدم بشكل عام وجود حالات الفوز والهزيمة في مباريات الفرق مع بعضها، أو لقاءات الديربي، ولكن الأهلي في آخر موسمين كسر القاعدة بتكرار حالات الفوز أو عدم الهزيمة على الأقل أمام فرق الدوري، باستثناء بعضها وفي ظروف خاصة. عامل الفوز المتكرر في كرة القدم يزيد من حدة الحنق على الفريق الفائز، وممكن نشوف أثر فوز الأهلي على فرق تونس في البطولات الافريقية على حالة التحفز في مباراة النهائي أو مباراة الترجي. حالة تشيلسي هنا تفيدني جدا في توضيح المقصد، بوجود نفس حالة التحفز والحنق على الفريق بسبب الفوز المتكرر على الفرق وببطولة الدوري موسمين، كان داير فيها البلوز وعاملين فردة على فرق انجلترا، وده سبب تصريح لمورينيو: "يوم هزيمة تشيلسي، يوم عيد في انجلترا". قلت في تحليل مباراة النجم الساحلي إنه النجاح كما يجلب عليك الأضواء، يجلب عليك الحساد والناقمين. وكما تجلب لك المنصة الميداليات الذهبية، تجلب عليك بعض لعنات الخاسرين. موضوع تشيلسي ووجود "البرتغالي" مورينيو مع الفريق بحاجة إلى بعض التفصيل، وبإذن الله سيكون التفصيل في الجزء الثاني من المقالة.

لما بأتكلم مع بعض مشجعي الاتحاد أو المصري ممن أعرفهم، بعضهم بيفكرني بنبرة شامتة بــحسن مصطفى ومحمد شوقي. طبعا سبب الكره الأكبر هو شراء الأهلي للثنائي، والكره يزيد مع تلاعب الإثنين بالأهلي في محطة التجديد. ليه بيزيد؟ لأنه أولا عامل تذكير لبيع اللاعبين لناديهما الأصلي، من وجهة نظر الجمهور، وثانيا شعور بالشماتة لأنه الأهلي سقا الناديين من كأس ودخل عليهم بالحنجل والمنجل، ولاعبهم بالمنقلة والبرجل، وفي النهاية شرب الأهلي من نفس الكأس، باستخدام اللاعبين. الكلام عن كل لاعب هنا يطول شرحه، حتى الرد على مسألة الشراء نفسها يطول شرحها، وفيها ما يتعلق بإدارة أندية الأقاليم ورجال الأعمال، وأسلوب تطفيش اللاعب، أو استقباله من الأهلي. حالات انتقال لاعب من نادي إلى الاهلي (أو إلى نادي قاهري آخر) عامل معروف من ضمن أسباب الكره، وحالة حسن وشوقي تحديدا ليها بعض القصص وممكن الثنائي زادوا من الشعور بالغضب عن غير قصد، وعن ترقب من جانب جماهير الناديين ولا داعي للتذكير بحالة الاسماعيلية. ممكن تحلل نفسك فيما يخص مشكلات عمرو زكي الحالية مع الزمالك، وممكن تعرف قصدي.

ه* في مدرجات الكلية، وفي سنة ما قبل التخرج، اختارت دكتورة المسرح الانجليزي أسلوب تعلم لازلت اذكره لليوم. حاولت اختيار مسرحيتين يتعاملان مع تطور الكره في نفوس البشر. كانت المسرحية الأولى "ريتشارد الثالث" وهي مسرحية منسية لشكسبير، والثانية "المذبحة" وهي مسرحية قصيرة مترجمة عن الفرنسية. المهم في المسرحيتين هو تناول كل كاتب للنفس البشرية وكيف تطور من كرهها للآخرين بشكل قد يتحول إلى غريزة انتقامية قاتلة في النهاية. ريتشارد هو ملك انجليزي تحدثت بعض الروايات التاريخية عن قتله لعائلته في سبيل العرش، ولم تثبت صحة الادعاءات. ولكن شكسبير اختار أن يصف لنا كيف يطور القاتل من نفسه، وكيف تطور نفسيته من نفسها بحيث يعطي لنفسه أسباب تخطي جماجم منافسيه في سبيل العرش. كانت أستاذة المسرح تركز على نقطة السببية كعامل مهم جدا في تطور الكره البشري. لا وجود لقاتل يقتل بلا سبب، وفي الغالب لابد له من اختراع السبب قبل أن يقتل. حتى أمهر القتلة وأبشعهم لديهم أسباب. قد تبدو لك وجيهة أو "طق حنك"، ولكنها موجودة، ولازم تكون موجودة. في مسرحية "المذبحة" كان القتل على نطاق جماعي، واذكر أنها كانت في أيام الثورة الفرنسية. كانت عائلة تحاول الهرب، إلا أنها لم تفلح، ووقعت في أيدي ظباط الشرطة، وأحدهم ويا للسخرية، كان جار العائلة قبل اندلاع الثورة. قبل أن ينفذ حكم الاعدام في العائلة، تحدث رب العائلة المنكوبة للضابط في ديالوج من أروع ما قرأت عن اللحظات السعيدة التي قضوها وتحيات الصباح والمساء التي تبادلوها، عن ذكريات الفرح، وذكريات الالم، عن الجيرة التي جمعتهم وجمعت ما بين عائلتهم. إلا أن الحنق والكره كان قد استبد بالضابط، ولم يسمح للعطف أن يؤخر قرار القتل النافذ. إنها مراحل من تطور الكره في النفس البشرية، ولا تنفع معها حلول واهية في حلها.

لا أقصد هنا تطابق المسرحيتين مع واقع الحال، وإن كان التطابق موجود جزئيا خصوصا في وجود أبناء المدينة الواحدة مع تشجيع نادي مختلف. ولكن ما أقصده هو تطور أسباب الكره داخل نفس مشجع الأقاليم. المقالة مش محاولة لتجميع أسباب كره، لأنها أكثر من أن تحصى وراعيت فيها الاختصار، ولكن أسلوب تعامل أندية الاقاليم وتطور حالة التحفز ضد الأهلي (أو القادمين من القاهرة) يعطيني نموذج كروي عن تطور نفس المشاعر الانسانية. أسلوب تعامل نادي القمة في مصر يتطابق جزئيا مع تعامل الفرق الايطالية مع بعضها، أو تعامل أندية انجلترا مع تشيلسي، وفيما قبله مع مانشستر. واللي يقلق هنا مش وجود التشجيع على نفس الطراز الاوروبي، ولكن وقوع ضحية من المصريين.
Category: | Leave a comment