9:23 AM | Author: Al-Firjany
لا أدري إن كان جحا أهلاوي ولا زمالكاوي، ولكن مقولته الخالدة "... طالما الضرب بعيد عن بيتي" مقولة في منتهى البلاغة وتصف الانقسام في مدرجات استاد القاهرة وخارج المدرجات بشكل جيد جيدا. اختلاف وجهات النظر في أمر لا يستحق الاختلاف استرعى الانتباه، وكلام عمرو أديب بإن الحضري "أثبت إن اللي عاوز يعمل أي حاجة في مصر، يعملها وهتعدي"، ثبت صحته، طالما اعتلّت الثوابت. غياب المعيار الاخلاقي في قضية تعاقدية أخلاقية هو ما يستحق الوقوف عنده وإن لم يكن الأول لدى الجمهور المصري. قلت فيما سبق إن القضية دفنت بعض الأخلاقيات أكتر بكتير من اللي ضيعها عصام بخطوة واحدة وبخطأ وحيد، تبعه أخطاء. حسن شحاتة جر المنتخب وجر الجمهور معاه إلى خطيئة حارس وجرنا إلى الحديث عن أخطاء سابقة له، حتى بعد كلامه عن ثورة التصحيح في غانا.

كان رد الفعل الجماهيري متباين، ولو إنه غير مستغرب. طبيعي إن جماهير منافسي الأهلي يفرحوا، فعلى هذا يدور الكوكب، ومعه تدور كرة القدم. ظهر الأمر كما لو كان رد صفعة للنادي الأهلي – ليس لهم دخل بها – وبالأحرى ظهر على إن "اللي رفض بلوة إينو، وافق على خروج الحضري". يمكن حالة الرضا والتصفيق الصامت للحضري أو التركيز على انجازاته مع مصر (وليس الأهلي) منبعها الاختلاف في النظرات ما بين جمهور الأهلي وغيره. جمهور الزمالك مثلا متعود على لاعب يخرج أو يهرب، ويرجع تاني (إيه المشكلة؟). تابع مثلا حالة لوي دراع بشير، أو هروب شيكا وغانم سلطان، ومن قبلهم ميدو، والمح من بعيد هروب جون أوتاكا من الاسماعيلي ثم رجوعه ودخوله التشكيل ولا كأن حاجة حصلت. التركيز الفني على اللاعبين مهم والمعيار الفني هو الأهم وهو ما ألاحظه في تعاقدات الزمالك في الغالب أو تعامله مع اللاعبين. بمعنى إن اللاعب يقيم على أساس لعبه وعطاءه في الملعب .. وممكن تتابع مثلا تسجيل عمرو زكي هدف في البلدية، مقارنة بالدفاع عن سبه للحكم. من ملاحظتي لتعاقدات الزمالك مع اللاعبين ألاحظ التركيز على اللاعبين فنيا وأداءهم الخططي أو المهاري عامة، في غياب التركيز على سابق أخلاقياته مثلا، وإن كان الاستثناء الوحيد ابراهيم سعيد. باختصار تفسيري لحالة التغاضي عن هروب عصام - غير حالة التشفي اللي غالبا ما تغلف علاقات جمهور الديربي - (أرسنال وتوتنام، الميلان وإنتر، أو البرسا والريال) هو النظرة الفنية للاعب (أفضل حارس في مصر، أفضل حارس في أفريقيا، إلخ) أما النظرة الاخلاقية فهي تكاد تأتي كمرتبة ثالثة أو رابعة، وأحيانا قد لا تأتي! باختصار، جمهور هرب منه واحد واتنين وتلاتة، رجع اتنين عادي، وهيبوسوا إيد التالت علشان يرجع، هل تنتظر منهم مثلا الغضب لهروب لاعب من الخصم؟ ده انت غريب أوي!! يغفل الكثيرون عن البعد الأخلاقي في نادي الزمالك كأحد أهم أسباب النكسة، مع إنهم يتحدثون عن نفس البعد كأحد أهم أعمدة انتصارات الأهلي. الأغرب من هذا وذاك هو انضمام جمهور الاسماعيلي إلى فريق الدفاع عن الحضري، في حين إن صورة أحد أفراد جمهور الاسماعيلي رافعا سكينة على الحضري بعد فوز الأهلي هناك لا تزال ماثلة في ذهني ولسة ورور في ذاكرتي (لا أذكر إن كانت مباراة الاتنين أم مباراة الـ6)، وبالمناسبة نشرتها مجلة أخبار الرياضة من فترة طويلة.

بالنسبة لحسن شحاتة، وبغض النظر عن كونه زمالكاوي أو تعامل بعض الاعلاميين السذج معه على إنه زمالكاوي قح، فالأمر بالنسبة لي لا يتعدى لعبة مصالح، أو محاولة ردع وردع متبادل. المصالح في مصر هي الحكم الأوحد في صراعات الأطراف الرياضية. لا تستغرب كذب شحاتة في أي تصريح أو تناقض ما بين كلام وطق الحنك اللي قبله أو استعماله لائحة في وقت ما لما الضرب قرب، وطالما الضرب بعد عن "بيته"، لا يستعمل نفس اللائحة ولا ما بها من مباديء. بمعنى إن شحاتة لم يضم لاعب وبعده لاعب بسبب معين، ونفس السبب انتفى بعدها بكام شهر. اتحاد الكرة ومسؤولي مصر بصفة عامة مبدئهم هو ألا يتبع أي مبدأ، والقاعدة هو نسف أي قاعدة حتى لو كنت أنا اللي عاملها. لا تنتظر من نظام فاسد أن يظهر عضو صالح فيه، ولو ظهر فهو عرضي مؤقت، يكاد لا ينتظم على حال، وشحاتة اللي التزم بمبدأ في غانا، وانتصر بالتزامه، تخلى عن الالتزام، فتخلى عنه الانتصار .. والجمهور أيضاً. باختصار مدربين كتير اتُهموا بالكذب وأذكر إن الصحافة الانجليزية عملت مناحة من كام سنة على أريكسون لاتهامه بالكذب، وإنه قال تصريحات وبعدها بشوية قال كلام مناقض للكلام الأول، مع ملحوظة إنه كان أسخم شوية من شحاتة، والصحافة الانجليزية بتعض غير الصحافة المصرية الأليفة. على رأي الكبير وولاده اللي ماشيين مساندين لأبو علي: "دي ظاهرة عالمية". حتى لو كان لاعب مثلا شتم شحاتة، علشان ينضم للمنتخب، وانضم فعلا، فان بومل لسة فارش الملاية لفان باستن. بس الغريب إن الأخير لم يضم الاول إلى منتخبه، مع إنه كان ممكن يقول للصحافة الهولندية: "دي ظاهرة مصرية!" وهو ده طبعا سبب تخلف الكرة الهولندية عن المصرية.

حتى احنا لا نكاد نثبت على حال. مصر اللي انتفضت لما سمعت طشاش كلام إن كرم جابر هيهرب لأمريكا، أو رفضت هروب فعلي من الملاكمين إلى أمريكا، انقسمت على ابن دمياط. خائن .. لأ من حقه يحترف. زمان درسنا إن التضاد في الكلمات يوضح المعنى ويظبطه، لكن بصراحة لا أدري أين البلاغة في الخيانة والاحتراف (الكلمتين بليغتين جدا، لمن يفهم التدخل المالي في كرة القدم). ما بين الانتفاضة والانقسام تلاقي الهوى متحكم. منطق جحا البليغ يتحدث عن انقسامات ويحدد سبب الانقسام. كل واحد بعيد عن بيته، يبقى من حقه. فكرني كلام شحاتة عن الشأن الداخلي الأهلاوي وإن حالة عصام شأن داخلي ما بين لاعب وناديه (وهي نفس جملة الجوهري برضه، والغريب إن شحاتة طور من أسلوب المنتخب بعد الجوهري، لكنه حافظ على نفس كلام ومنطق سلفه) المهم فكرني كلام شحاتة بحالة هروب طيار مصر للطيران ولجوئه السياسي لبريطانيا وتهديده بفضح الشركة المصرية مع قرب الاعلان عن التحقيق في طائرة مصر المنكوبة. بالمناسبة طلعت بعض الأصوات من داخل مصر تقول إنه هرب بسبب قرب احالته على المعاش (!) ومعاشه الشهري هيقل بدرجة كبيرة. نفس منطق الدفاعي الساذج: من حقه الاحتراف (الهروب) لقرب اعتزاله. يجوز ده جزء من رد الفعل على الجمهور الاهلاوي المنقسم لحظة توارد أحاديث عن رجوع ابراهيم سعيد للأهلي؛ مع موافقة قطاع مهم من جمهور الأهلي على العودة، ورفض آخرين. رضيت بهيما، وبالمثل غيرك رضي بالحضري.

انهيار الجدار الاخلاقي في مصر ملحوظ في المجتمع من فترة طويلة، وله مظاهر، ومنها ظهوره كأحد مباديء ألتراس في المدرجات، أو تكرار حالات الشغب الجماهيري من خارج ألتراس (جمهور الاهلي ثم الاتحاد في كرة السلة، وغيرهم من الجماهير في المحروسة). وانتقلت العدوى من الجماهير إلى اللاعبين، ولكن بشكل غريب شوية. الحضري بين حالة منها .. وأوجد حالة انقسام على شيء كنت أراه غير قابل للقسمة. كرر لظاهرة موجودة في مصر من زمن طويل، مفادها أن الانتماء صار المحدد الأول لردود الفعل والرضا والقبول وعظائم الأمور.

الجميل في الكلام على إينو وسذاجة الربط ما بين إينو والحضري يبين لعبة الكراسي الموسيقية ما بين الأهلي والزمالك. يوم لده .. ويوم على ده. كل واحد بيقعد على الكرسي تاني، في انتظار العزف التالي والمقطوعة التالية. حاليا الحضري قرب يخلص لعب على البيانولة، وربما لا يدري المصفقون للهارب أنه شريحة ما فوق الـ28 منتظرة قرار الفيفا بفارغ الصبر، إما تكرار
لنفس قرار أندي ويبستر .. أو أن يعود الحضري بخفيه. كما كان التبديل في التسعينات (رضا عبد العال، التوأم) سيتم في الألفينيات، طالما سال لعاب لاعبي مصر للقرشينات. مين عارف يمكن حد فيهم يصحى الصبح يلاقي واحد بيكلمهم من أي عاصمة أوروبية يخطرهم ببنود العقد الجديد، وعن المدير الفني العنصري اللي ما قالش "صباح الخير" بنفس. أو حتى يوفر المواصلات والمكالمة الدولية ويكلمهم من الجزيرة. رؤية المصفقين وقتها وتغير الوجود وتغير الحال إلى حال تصبح في غاية الامتاع. كنا زمان نسمع اسم جحا، ونضحك، ولم أكن أعلم أنه سيأتي اليوم الي يتساوى فيه الضحك بالبكا.

جحا لما الضرب وصل بيته، لم يجد ما يدفعه به، لأنه وافق على إنها تحصل لغيره، بما يعني موافقته ضمنيا على إنها تحصل له. جحا انضرب، وفي انتظار غيره لأرى كيف يدفع عن نفسه نفس الضربة. مش احنا بس اللي مستنيين قرار الحضري، زملاءه على أحر من الجمر لرؤية زميلهم في "نادي الحمر" هيعمل إيه. ميزان علاقة اللاعب بالنادي في مصر يوشك أن يميل بشدة لصالح الأول.
Category: |
You can follow any responses to this entry through the RSS 2.0 feed. You can leave a response, or trackback from your own site.

0 اضغط هنا .. واترك تعليقا على المقال: