6:52 AM | Author: Al-Firjany




لن تجد مساحة كافية للعقل في أوقات الانتصارات؛ تماما كما تتلاشى نفس المساحة في أوقات النكبات. مع شعب عاطفي، تواق إلى انتصار يلهيه عن واقع مرير، ويعيده إلى الثقة ويعيد إليه الثقة، تجد الشعور بالفرح الطاغي تحت قيادة طاغية. ومع الانتصار تقل مساحة التحليل والكلام الفني، لتفسح المجال أمام كلام من نوع آخر (تهاني ومباركات، الابطال، الوحوش، إلخ). ولكن الغريب وجود اتهامات حتى في عز الفرح، وانعدام كلي للاستماع إلى أي طرف، إلا الذات. الكل يمتدح الفريق دونما تحليل لدور كل منهم .. والكل يرفع جهاز المعلمين على الأعناق .. دونما تحليل لأسلوب عملهم. قبل قراءة مقال أ. المستكاوي اليوم كنت على وشك طرح نفس علامات الاستفهام والتعجب عن أسباب عدم وجود تحليل لمباراة النهائي، أو عن سبيلنا إلى الصعود إلى المنصة، أو عن سبب فوزنا بالذهب وغيرنا بالفضة والبرونز .. والصفيح؟ كالعادة انتظرت التحليل حول المباراة او مشوار مصر عامة أو أسلوب عمل شحاتة مع المنتخب المصري، ولكني لم أجده إلا من نفس الشخصين: أ. حسن المستكاوي، وأحمد عز على موقع في الجول. أحاول هنا في المقال الاجابة على السؤال: "كيف فزنا؟" والتركيز على مباراة الكاميرون مع ترك تحليل لمسيرة مصر في البطولة لمقال آخر بإذن الله.
لا يمكن استبعاد مباراة الدور الأول من المشهد عند تحليل لقاء النهائي. بداية المباراة تنذر بإن الكاميرون حفظت مصر فعلا وعازمة على محو آثار أول مباراة في البطولة من خلال آخر مباراة فيها، ولكن كلما تقدمت بنا المباراة، يتضح ان الكاميرون تحاول الهزيمة بفارق أقل من 4. ظني إن تكتيك شحاتة اعتمد على بعض التأمين الدفاعي في البداية لامتصاص الغضبة الكاميرونية، مع عدم اغفال – وده الجانب الأهم – للشق الهجومي. كل ده كلام نظري على الورق، على أرض الملعب تجد حوالي 7 لاعبين بمهام دفاعية بحتة، وفي نفس الوقت بعضهم يؤدي دور جيد أمامي، وهو نفس تشكيل وتكتيك المباريات السابقة. اعتمد المنتخب كالعادة على وجود حسن – حسني في الوسط مع مساندة للأطراف ومن الاطراف، وكان التقدم على استحياء من فتحي في اليمين، ومتكرر من معوض في اليسار، بما اعطى الملعب شكل شبه مائل أوله عند معوض وآخره في اليمين، على الرغم من وجود جيريمي في جبهة الكاميرون اليمنى.

أتاح التسجيل المتأخر لمصر في الشوط الثاني معرفةً أقرب لتحرك المنتخب الهجومي ورؤية طويلة لأسلوب اللعب المصري الهجومي بصفة عامة في البطولة. المنتخب المصري كان يعتمد على التسجيل المباغت في المباريات السابقة (في المعظم من ضربات جزاء) في الشوط الأول، وانتظار رد فعل الخصم الهائج الباحث عن التعادل، واستغلال المساحات الخلفية. لم يستثمر خط الوسط المصري وجود سونج المصاب من بداية الشوط وبعد تغييره إلا على استحياء. الشق الهجومي اعتمد على وجود ثنائي هجومي صريح تحتهم ابو تريكة، مع ميل الأخير باتجاه اليمين (لتعويض تأخر فتحي) وأحيانا متعب. تأخر فتحي النسبي كان لإعطاء مساحة أمام تواجد هجومي في المنطقة اليسرى للكاميرون، وهو ما يفسر وجود فرصتين لتريكة ومتعب في نفس المكان. الجانب الآخر كان في نقل الكرة بسرعة من النقطة الدفاعية لمصر إلى دفاعات الكاميرون. دفاع المنتخب المصري كان ظاهري لأنه تكتيك استمر عليه المنتخب طول البطولة من حيث إغراء المنتخب الكاميرون لفتح الملعب طوليا أكثر. حاول الدفاع المصري استغلال الكرات الطولية لمتعب وزكي، مع سقوط تريكة إلى المنتصف لتوسيع المنطقة ما بين لاعبي الدفاع الكاميروني والوسط. لاحظت تكرار اللعبة على مدار المباراة أكثر من مرة، والغريب هو المراهنة على الهجوم في استخلاص الكرة من لاعبين بقوة الكاميرونيين ونجح الهجوم في كرة واحدة .. هي كرة البطولة.

التكتيك تقليدي ويظهر سهل على الورق، ولكنه ليس سهلا على الاطلاق في التنفيذ (طبيعي وجود الفوارق بين الورق، والعرق). العملية تتطلب دقة في التمرير إلى اللاعب المهاجم، اللي المطلوب منه التحرك في منطقة خالية أو ثغرة تتيح له الاحتفاظ بالكرة لحين انتظار مساندة وتحرك من تريكة أو احمد حسن او حسني، أو وجوده في منطقة تسمح له بالتسديد المباشر على المرمى. الجانب المفيد في هذا الفكر الهجومي هو فتح دفاع المنافس على البحري لأنه أي انطلاقة من خط الوسط أو المهاجم المعاون تتيح له مساحات تكفي وتسمح بالتنفيذ الايجابي على المرمى أو التسجيل.

في المقابل اعتمد منتخب الكاميرون على ما لم يستغله منتخب كوت ديفوار. في تحليل مباراة الكوت ذكرت ثغرة في منتصف الملعب المصري سمحت بتهديد مرمى الحضري، وأتاحت لكيتا التسجيل. حاول منتخب الكاميرون استغلالها من خلال مرتدات سريعة وانطلاق بارق من لاعبي الوسط إيمانا والخطير إيبالي (نسخة مصغرة من خطورة كيتا) ومعاونة مع إيتو في الهجوم لافراغ مساحات للقادم من الخلف. بالفعل سنحت بعض الفرص في الشوط الاول للكاميرون، خصوصا مع نصب التسلل من جانب الدفاع المصري لمواجهة سرعة القادمين من الخلف، واحكام الحصار حول إيتو، تاركين الاقل منه ذكاء للوقوع في المصيدة. ساعد وجود هاني سعيد بشدة على دفن بعض محاولات الكاميرون من الوسط، عن طريق تمركز مبهر خلف حسني – حسن في حالة الهجوم المصري أو من خلال التعاون مع قلبي الدفاع. الجميل في اللعب المصري هنا كان في الضغط على حامل الكرة. لا تكاد تستمر الكرة في قدم لاعب كاميروني ثانيتين أو ثلاثة حتى يفاجأ بضغط من الخلف ليزدوج الضغط عليه من رقيبه الأساسي. كان حسن يضغط لصالح معوض في اليسار، أو جمعة إن كان الأقرب، مع فتحي وشادي في اليمين وأحيانا معاونة من حسني. كماشة الضغط تتألف من الظهير إلى جانب أحد لاعبي الارتكاز، واحيانا يكون الضغط ثلاثيا لو لاعب الكاميرون ساق فيها. على أن الخطورة تركزت كما قلت من خلال مرتدات الكاميرون خلف حسن أو حسني المتقدمين لمعاونة الهجوم. وكان مدهش بالنسبة لي كم الضغط من لاعبي مصر وقدرتهم على الصد والردع أمام منتخب بقوة وسرعة الكاميرون طوال 90 دقيقة، وده جانب يصب بشدة في خانة المدرب الوطني وقدرته الاستنفارية للاعبين، ويبين إنه يمكن الشحن المعنوي يعوض فوارق سرعات وفوارق امكانات.

الغريب في وجود حالات فرح العمدة بحسن شحاتة هو انتقاد لوجود متعب في التشكيل. نتفق مع بعض الأول: الهجوم المصري كان عنده واجبات متعددة؛ منها الضغط على ظهيري الكاميرون (في حالة الدفاع)، والاستلام الطولي من لاعبي الوسط أو الكرات الساقطة في المرتدات المصرية (في حالة الهجوم)، والتسجيل من خلال اللعب على الاطراف أو في العمق. متعب كان يؤدي الدور على الطرفين جيدا وأتيحت له فرصة على طرفي نقطة الجزاء الكاميرونية، ولكنه لم يستثمرها، ولكن مهارة الاستلام والتسليم كانت موجودة. اختار شحاتة التضحية بمتعب على غير العادة، ليحل محله زيدان لتأخر هدف المبادرة المعتاد، مستعينا بنفس تكتيك آخر مباراة الكوت ديفوار، بوجود الثنائي زيدان – تريكة في المنطقة الأمامية.

اللعب كان عشوائي نسبيا في الشوط الثاني، وإن شهد أكثر الهجمات المصرية تنظيما. في كرة حسني عبد ربه كان التوزيع النموذجي للفريق المصري بوجود فتحي في اليمين ويعاونه تريكة، مع وجود عمرو زكي وحسني عبد ربه (!) في الـ18 في مغامرة هجومية، في حين أحمد حسن كان متأهب في حالة الهجوم العكسي المرتد. التوزيع ده المثالي في حالة الهجوم المصري ويمكن واحدة من أفضل الهجمات المصرية في البطولة عامة، لتخلينا عن الكرات الطولية، واستخدام الطرفين في العرضيات. ولاحظ إن أحمد نجح في قطع الكرة بعد ارتدادها من القائم. نزول زيدان كان لزيادة الضغط وقدرته على التسليم والتسلم وربما أخره الجهاز الفني لمصر لعدم اكتمال اللياقة أو لادخاره جزء من المباراة (نوع من اللاعبين على الدكة يلعب 20 دقيقة أفضل من 90).

هدف أبو تريكة يمثل التكتيك الهجومي المصري المتبع في المباراة من أولها. قطع الكرة من الطرف، ثم ارسالها طولية إلى مهاجم مصري على طرف الملعب مع الكاميرون بانتظار اندفاع خلفي من حسني أو تريكة أو زكي. الغريب إن الكرة سقطت لسونج وحاول فيها زيدان وكان ممكن تريكة لا يجري فيها لأن المعركة غالبا لن تكون لصالح زيدان. ولكن اللي يهمني في الهدف نفسه أسلوب نقل الكرة (ممكن تفتكر جون تريكة الثاني في السودان .. أو هدف زيدان الثاني في الكاميرون في الدور الأول .. أو هدف تريكة الرابع في الكوت). كلها كرات متطرفة بعض الشيء انتظارا للقادم من الخلف ... وعيش انت والشبكة. شحاتة اعتمد على المدافعين في ارسال الكرات الطولية إلى مهاجمي مصر، ولكن لم يدر بخلده أن ينضم مدافع المنافس إلى بناء الهجمة بوجود سونج كعنصر مدعم لها :-). الهدف المصري في حد ذاته جدير بالتأمل، ليس لكونه هدف بطولة، ولكن لعبرة أخرى في المعركة ما بين سونج وزيدان سأحاول تفصيلها في المقال التالي بإذن الله



الغريب إنه على الرغم من وجود ثغرات في خط الوسط لم تُستغل من المنافسين إلا نادرا، إن المنتخب لم يلعب بثلاث لاعبين هاف ديفيندرز، وهو الغالب في حالات ميل الوسط إلى الدفاع، واستعمله بعض المدربين مثل الطليان في كأس العالم، وأحيانا جوزيه في مصر ومورينيو في تشيلسي لتغطية عيوب الدفاع. لكن شحاتة اختار توسيع طرفي الملعب، على رأي
أحمد عز، وأسلوب الاعتماد على الاختراقات من العمق (نسبة الاهداف من العمق أعلى نسبيا من الأطراف). التكتيك في حد ذاته غريب لأنه توسيع رقعة اللعب مع فريق سريع ولياقته أعلى ممكن يأتي بنتائج عكسية. أوتوبفستر وقع في فخ جوزيه في مباراة السداسية خصوصا مع تسجيل هدف مبكر في مرماه. النقطة الثانية هي وجود ادوار دفاعية أغلب فترات المباراة، مع الاعتماد على الهجوم المرتد الخاطف. ناس بتتكلم على الأسلوب الهجومي لحسن شحاته والمنتخب لكن لا يشرحوا الأسلوب .. وهل مؤثر ولا لأ؟ وهل فيه أخطاء؟ كان فيه بعض الأخطاء في مباراة الكاميرون أهمها سحب كل المهاجمين (عدا واحدا) والتركيز الدفاعي وكان ممكن يشكل خطورة في حالة تعادل الكاميرون، إضافة إلى وجود بعض الخطورة على المرمى المصري من العمق، من خلال التركيز الدفاعي على إيتو وترك آخرين. خطر التسجيل العكسي زاد، خصوصا بعد نزول إدريسو.

ه* معظم فرق البطولة عانت من العمق الدفاعي. لو هنتكلم على فرق مباريات مصر، نلاقي كولو توريه في الكوت يلعب في غير مركزه، وسونج بعيد عن مستواه ويسمح لزيدان بالتسجيل في مرماه مرتين (بشكل مباشر وغير مباشر) إضافة إلى أخطاء من فرق أخرى (لاحظ هدف زكي الثاني في انجولا وشوف العمق الدفاعي). المنتخب المصري على العكس، كان فيه فوقان ومستوى عالي جدا في الناحية الدفاعية بوجود المتوهج سعيد وحوله شادي ووائل أو فتح الله (الترابط ما بين الثلاثي في النهائي كان جيد جدا، بوجود تغطية على بعضهم أو على لاعبي الوسط في حالة التقدم، وبالذات هاني سعيد). الجانب الدفاعي كان مهم في الحفاظ على الشباك نظيفة قبل تسجيل هدف المبادرة، وبقى أهم بعد التسجيل. مورينيو كان قال مرة إن الفرق الدفاعية غالبا ما تفوز، وهو تفسير جيد لحالة فوز منتخب مصر، مع الفارق في وجود شق هجومي يتم تنفيذه على الأرض.

التحليل لمباراة الكاميرون كان مهم بالنسبة لي لمعرفة سبب الفوز، اللي بالتالي ممكن يدلنا على سبب الفرحة. تحول شحاتة إلى منطقة محظورة "ممنوع الاقتراب أو التصوير" شيء مبالغ فيه، وإن كان للمنتخب على يده انتقل من المرحلة الدفاعية البحتة إلى التواجد الهجومي. ولكن من حول شحاتة يتحدث عن أرقام دون الدخول في تفاصيل فنية .. مجرد شخص يدور في فلك أرقام أو يرد على ترهات (التوفيق أو الحظ) دون الحديث عن طبيعة العمل والتأثير على المنتخب. حالة الفرح الطاغية في مصر أتت بنتيجة مفادها وجود شبه هالة من الحماية الفائقة حول المدرب، تحول حتى دون الاقتراب من قراءة فكره التدريبي. ربما نحن شعب نفرح، ولا نحلل .. نصل للمنصة، ولا نريد أن نعرف كيف وصلنا. في الفرح ملهيين .. وفي التحليل منسيين.
Category: |
You can follow any responses to this entry through the RSS 2.0 feed. You can leave a response, or trackback from your own site.

0 اضغط هنا .. واترك تعليقا على المقال: